الخميس, نوفمبر 14
Shadow

متى تغضب على حكامك أيها الشعب ؟

اذا كان الخوف من المستقبل من اشد طبائع الانسان فإنه احيانا يستحوذ علينا الخوف من الماضي الى حد ننسى فيه مخاوف المستقبل. كيف لا وكل ما يفعله الانسان يظل شبه يتبعه من الخلف ولا يكاد المرء يعمل عملا حتى يخرج هذا الشبه من مخبئه ويظهر على الملأ، ليكون شاهدا على ما مضى من عمر، وما تقدم من عمل. هذا الشعور يستحوذ على جل رجال السياسة في الغرب لكونهم على يقين ان خطؤ واحد كفيل بأن يحيلهم عاجلا أو آجلا الى المحكمة للمساءلة كما قد تقضي على جهد سنوات قضوها في السياسة. وقد يخسر الحزب السياسي اي انتخابات يخوضه بسبب خطأ بعض أفراده بل وقد لا يتجرؤ المنتمين اليه على خوض اي انتخاب. يكفي دليلا على ما نقول أن يلقي القارئ نظرة على الساحة السياسية العالمية. ففي فرنسا مثلا تم القضاء سياسيا على دومينيك ستروس كان بسبب خطأ واحد صح ما اتهم به ام لم يصح. ومن ثم تم القضاء على نيكولا ساركوزي بخسارته الانتخابات أمام فرانسوا هولاند، وحاول أن يعود إلى السباق مجددا عبر إجراء تعديلات مركزية في حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية (أبرز هذه التعديلات هو تغيير اسم الحزب إلى الجمهوريون) لكن لم يسمح له الجماهير الغاضبة إذ خسر انتخابات تمثيل حزبه في الانتخابات الرءاسية لصالح فرانسوا فيون. والقائمة قد يطول فمسلسل تنحية المسؤولين السياسيين ما زالت مستمرة منذ حين. فهناك خسارة فرانسوا فيون نفسه الذي كان مفضلا في الانتخابات الرئاسية بسبب اتهامه بتوظيف زوجته بشكل وهمي. ثم خسارة رئيس الوزراء السابق مانويل فالس في تمثيل الحزب الاشتراكي في الانتخابات الرئاسية. أما الضربة القاضية فكانت خسارة الحزب الاشتراكي والجمهوريون معا -وهما اكبر حزبين في فرنسا – الانتخابات الرئاسية أمام الشاب ايمانويل ماكرون.

إن دل هذا على شيئ فإنما يدل على أن نصف الشعب الفرنسي على الأقل قادر على الصراخ بشكل جماهيري ليقول كفى. أقول النصف فقد امتنع الشعب الفرنسي عن التصويت في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بشكل غير معهود، لكن القلة الذين أدوا بأصواتهم قدموا نموذجا طيبة لشعب قادر على الصراخ في وجه حكامه في صناديق الاقتراع. وهذا ما جعل هذا الشعور التي تحدثنا عنه في بداية مقالنا هذا يستحوذ على جل رجال السياسة في الغرب لا سيما في فرنسا. اما في البلاد العربية والإفريقية، خاصة في بلد مثل جزر القمر فإن هذالشعور يكاد يكون منعدما عند رجال السياسة. ففي وقت نرى فيه السياسيين في الغرب يدفعون آلاف الأموال للمحامين للدفاع عنهم ضد اي اتهام نرى في جزر القمر من يجرؤ على العبث بالممتلكات العامة على مرأى من الناس دون خوف لا من جهة حكومية او مساءلة قانونية بل حتى من غضب جماهيري شعبي.

وأعجب من هذا كله، تثبيت المتهمين بالفساد في مناصبهم أمثال محمد داود (كيكي) الذي يتهمه أكثر من واحد بالفساد وبيع جوازات قمرية لأجانب. إن مثل هذه التصرفات تثير اشمئزاز النُّخْبة المثقفة، على الأقل من لم تشملهم الإفلاس الأخلاقي الذي نشهده اليوم. إن العالم اليوم تشهد إفلاس أخلاقي عام على مستوى طبقات المجتمع لكن الخطر يكمن في الفساد الأخلاقي الذي عم النخبة الثقافية والدينية إذ هم المفترضون أو ينبهوا الحكام ويقوموهم عبر كتاباتهم وآرائهم المعبرة عبر الوسائل الاعلامية الحديثة. بل ويقع على كاهلهم مهمة تنبيه الشعب وايقاظ أفراده من سباتهم العميق. فكيف يكون الشعب إذا لم يكن لهؤلاء رصيد أخلاقي تمنعهم من مخادعة الشعب والتواطء مع الحكام لمصالح نفسية هزيلة.

لقد شهدنا مؤخرا في 19 شهر جون 2017 عند تشكيل الحكومة الثانية للرئيس الفرنسي تنحية 4 وزراء سابقين وذلك بسبب اتهامهم بقضايا فساد. وفي المقابل شهدنا في جزر القمر بعد هذا بشهر حل حكومة العقيد غزالي ثم تشكيل حكومة جديدة بعد ابعاد وزراء الحزب المؤيد بالأمس والمعارض اليوم ومنهم وزير الخارجية. والعجيب في الأمر هو عندما تم اتهام العقيد عثمان غزالي من قبل الرأي العام بتشكيل حكومة شبه بلدية لكثرة المدراء والوزراء العائد أصولهم إلى بلدته إذ شهدنا ظهور بعض المثقفين على وسائل الاعلام للدفاع عن العقيد بحجج واهية لعل المضحك منها قول أحدهم أنه شهد بلدة العقيد انتخاب أول ممضرة في البلد كله وما ندري ماذا كان يقصد من كلمته “انتخاب” ولا حتى وجه الدلالة في قوله.

إن تواطؤ النخبة المثقفة مع النخبة الحاكمة وعملهما معا ضد مصالح وإرادة الشعب ليست وليدة اليوم لكنه اليوم أشد من أمس ولا شك أن الغد سيكون الأمر أمر مما هو عليه اليوم ما لم تظهر على الملأ أقلام حرة لا تصلح للبيع في المزاد العلني لمن يدفع أكثر. لا بد هنالك من أصوات حرة تواجه هذا الموج من الأصوات الخادعة التي لا تأتي على مسامع الشعب إلا بما يرضى أو يمليه الحاكم. فأين أنتم يا أصحاب الأقلام الحرة. إن الشعب لن تغضب ما لم تعلموه كيفية الغضب وما لم تخبروه متى يكون الغضب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *